بسم الله الرحمن الرحيم
نـــــداء لكــــل المصريين
عودوا إلى دياركم ، و حافظوا على بلدكم
و احقنوا دماءكم
إن الحمد لله ، نحمده ، و نستعينه و نستغفره، و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ، و من يضلل فلا هادى له .
و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله ، صلى الله عليه و آله و صحبه و سلم
الحمد لله ،،
الحمد لله كما ينبغى لجلال و جهه و عظيم سلطانه ، الحمد لله العظيم القادر، المعز المذل، القوى الجبار ، القهار الغفار،
اللهم لك الحمد كله، و الشكر كله، و الثناء كله،،
الحمد لله على نعمة الحرية ، و استرداد الكرامة ، و بما امتن الله به علينا بحفظ العباد و البلاد من الدمار و سفك الدماء و هتك الأعراض كما نراه الآن فى البلاد المجاورة ، فاللهم احقن دماء إخوتنا فى كل مكان يا رب العالمين ، يا ذا الجلال و الإكرام
يا ذا الفضل و الإنعام.
إخوة الإسلام ...
يعتقد المسلم أن النصر من عند الله وحده لا شريك له و ذلك لقوله تعالى ( فلم تقتلوهم و لكن الله قتلهم و ما رميت إذ رميت و لكن الله رمى ) الأنفال 17.
و لقوله عز وجل : ( و ما جعله الله إلا بشرى لكم و لتطمئن قلوبكم به و ما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ) آل عمران 126
و لهذا نقول لإخواننا المصريين ، عودوا إلى دياركم قبل أن يسلب منكم ما حققتموه، و قبل أن تفقدوا كل ما أنجزتموه، عودوا إلى ربكم و أسلموا له.
نعود فنقول من طبائع الفتن أنها تذهب بعقول الرجال ،، فعن حذيفة بن اليمان – رضى الله عنه – قال رسول الله صلى الله عليه و سلم - : ( تكون فتنة تعرج فيها عقول الرجال ، حتى ما تكاد ترى رجلاً عاقلاً ). رواه أبو نعيم فى ( الفتن ) و صححه الهندى فى ( كنز العمال).
و عنه – رضى الله عنه – قال : (ما الخمر صرفاً بأذهب بعقول الرجال من الفتنة ). رواه أبو نعيم فى ( الحلية).
فصوت العقل و الحكمة و الربانية يحتم علينا جميعاً ، ألا نخاطب الجميع خطاباً واحداً ،،
و لهذا أبدأ خطابى لأسر من نحسبهم بإذن الله تعالى و كرمه من الشهداء ، نسأل الله تعالى قيوم السموات و الأرض ،أن يرزقكم الصبر و السلوان و أن يعينكم على فقد أحبتكم ، و لا ننسى أبداً ما فعله هؤلاء الأطهار فقد رفعوا الرؤوس، و بذلوا الأرواح رخيصة لنتذوق نحن طعم الحرية و الكرامة ، و استقبلوا الرصاص بصدور عارية لمحو الظلم و الطغيان ، رحمهم الله تعالى و أنزلهم فسيح جناته.
نعود فنقول إن أى استهانة فى القصاص لهؤلاء و المماطلة فى حقهم لا نرتضيه بأى حال من الأحوال ، و أن ما تفعلونه للمسارعة بالقصاص و المطالبة بحق أولادكم هو حق مشروع لكم بل وننادى به على المنابر و فى المحافل ، كما لا نرضى أيضاً أن تتهم أسر الشهداء بأى نوع من أنواع الاتهامات، بل ندعو الله تعالى أن يعجل الفرج ، و أن يشف غيظ صدورهم و يبرد نار قلوبهم على مصابهم العظيم..
و لكن نحذركم أن تستغل هذه العواطف ، بالضغط عليكم ( أهالى الشهداء) ، و دفعكم دفعاً للتشكيك فى كل أحد و كل شىء ، الأمر الذى سيؤدى لتصعيد الأمور و تعقدها و صدام مع المؤسسة العسكرية و سيترتب عليه فوضى عارمة ، و نار تأكل الأخضر و اليابس، نسأل الله تعالى العفو و العافية ،و سيؤدى هذا لتأخر ما تريدونه من إتمام المحاكمات بسبب هذه الفوضى ، و لتطمئن قلوبكم فهناك محكمة ربانية عادلة ، قاضيها لا يخفى عليه خافية ، و لا يخفى عليه شىء فى الأرض و لا فى السماء و لن يفر مجرم و لا مستبد و لا ظالم مهما طال الأمر..
عن أبى موسى الأشعرى قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :( إن الله ليملى للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته) متفق عليه.
قال رسول الله – صلى الله عليه و سلم- : ( اتق دعوة المظلوم ، فإنها ليس بينها و بين الله حجاب). رواه البخارى و مسلم.
و قال صلى الله عليه و سلم : ( ثلاث دعوات يستجاب لهن و لا شك فيها : دعوة المظلوم...) رواه ابن ماجه
و قال صلى الله عليه و سلم : ( اتقوا دعوة المظلوم فإنها تحمل على الغمام ، يقول الله تعالى و عزتى و جلالى لأنصرنك و لو بعد حين ) رواه الطبرانى.
ثم نتوجه بخطابنا لإخوتنا و أحبتنا من لهم مطالب ، كعلانية المحاكمات و سرعة التنفيذ و حد أقصى للأجور و غيرها من المطالب ، فقد تحقق لكم و لنا منها الكثير ، فها هى المحاكمات أعلنت على شاشات التلفزيون ، و لسرعة التنفيذ تم تفريغ دوائر للبت فى القضايا المتعلقة بالثورة ، و لحد أقصى للأجور تم تغيير وزير المالية فلم العجلة و الإصرار على أمر له بوادر و بشائر طيبة من قبل أولى الأمر؟؟!!
أين الصبر و التأنى ؟؟
قال الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر و الصلاة إن الله مع الصابرين ) البقرة 153
و قد جعل النبى صلى الله عليه و سلم الصبر أوسع العطاء ، فقال كما فى الصحيحين من حديث أبى سعيد الخدرى – رضى الله عنه –( و ما أعطى أحد عطاء خيراً و أوسع من الصبر ) رواه البخارى و مسلم.
قال عمر الفاروق- رضى الله عنه – ( أدركنا خير عيشنا بالصبر)
و عن أم المؤمنين عائشة – رضى الله عنها- أن النبى صلى الله عليه و سلم – قال : ( إن الرفق لا يكون فى شىء إلا زانه و لا ينزع من شىء إلا شانه). رواه مسلم
و أخشى ما أخشاه أن يقال أنكم كنتم السبب فى توقف حال البلاد و تعسر النهوض و الإنتاج بسبب إصراركم غير المبررعلى موقفكم، فعودوا إلى رشدكم و استمعوا لعقلائكم ولا يمكن تحقق كل شئ في وقت واحد فالزمن عنصر طبيعي وضروري وفي بناء السماوات والأرض عبرة والله تعالى قادر قدير مقتدر
أما الخطاب الآخر ،، فهو موجه للعلمانيين و الليبراليين ،
المعتصمين بميدان التحرير ، سؤال حير العقول ، لم الخوف من شريعة رب العالمين التى فيها الخير كله و العدل كله و الرحمة كلها للعالمين ؟؟!! و اعلموا أن تستركم خلف أهالى الشهداء و خلف من خرج مطالباً بمطالب خالصة لوجه الوطن ، اعلموا أنه سينكشف و سيعلم الجميع ما تكنه صدوركم
و صدق الله تعالى حين قال : ( و لا يحيق المكر السىء إلا بأهله)
فعودوا إلى الدين و شريعة رب العالمين ، سائلين الله الهداية لنا أجمعين.
و نقول لكم بصدق ناصحين مشفقين ، إن كان لكم وجه فى رد المطالبين بالشريعة خوفاً منهم أو لعدم الثقة فيهم – ولا نوافقكم على ذلك – ، فلا وجه لكم فى رد الشريعة ذاتها و رد الكتاب المنزل من السماء ، و رد سنة رسوله الأمين و التى هى محض وحى من السماء، ( و ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى) النجم 3، 4
نقولها...
لا وجه لكم .......
يقول خير من قال جل فى علاه آيات محكمات فى القرآن العظيم : ( ألا يعلم من خلق و هو اللطيف الخبير ) الملك 14
و يقول عز و جل : ( و الله يعلم و أنتم لا تعلمون) البقرة 216
ثم أتوجه بخطابى لإخوانى المطالبين بالاستقرار و تطبيق الشريعة، بارك الله تعالى فى توجهكم الطيب و حسن نواياكم ، و حرصكم على هذا الدين ،،،
و مع هذا أحبتنا ،، احذروا الفتنة ، و زنوا الأمور بميزان المصالح و المفاسد ، و قدموا درء المفسدة على جلب المصلحة،
إخوتاه ، احذروا الفتنة......
فالفتنة من طبائعها أنها تتزين للناس فى أولها حتى تغريهم بملابستها و التورط فيها ،،
و من نفيس كلام ا بن حزم فى كتابه " الأخلاق و السير" : ( نوار الفتنة لا يعقد ) الأخلاق و السير
و النوار: الزهر
و معنى كلام ابن حزم أن للفتنة مظهراً خادعاً فى مبدئه، حتى يستحسن الناس صورتها، و يعقدوا الآمال عليها ، و لكن سرعان ما تموت و تتلاشى ، مثل الزهرة التى تموت قبل أن تتفتح ، و تعطى ثمرتها.
نخاطب فيكم صوت العقل و الحكمة و أنتم لذلك أهل،اعلموا أحبتنا و الأمر للتذكير : إن الفتنة متى ما وقعت فإنها سرعان ما تتطور ، و تخرج عن حدود السيطرة ،،
قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله ،، (( و الفتنة إذا وقعت عجز العقلاء فيها عن دفع السفهاء.. و هذا شأن الفتن كما قال تعالى : ( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة)الأنفال 25 ،، و إذا وقعت الفتنة لم يسلم من التلوث بها إلا من عصمه الله) منهاج السنة النبوية.
صونوا الدماء،، عن أبى موسى الأشعرى – رضى الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه و سلم – قال : ( إن بين يدى الساعة الهرج )قالوا : و ما الهرج ؟ ،قال : القتل ، إنه ليس بقتلكم المشركين ، و لكن قتل بعضكم بعضاً ، حتى يقتل الرجل جاره ، و يقتل أخاه ، و يقتل عمه ، و يقتل ابن عمه) قالوا: و معنا عقولنا يومئذ ؟ قال: ( إنه لتنزع عقول أهل ذلك الزمان، و يخلف له هباء من الناس ، يحسب أنهم على شىء ، و ليسوا على شىء) قال أبو موسى : ( و الذى نفسى بيده ما أجد لى و لكم منها مخرجاً إن أدركتنى و إياكم إلا أن نخرج منها كما دخلنا فيها ، و لم نصب منها دماً و لا مالاً) رواه أحمد و صححه الألبانى
فنقول لأهلنا و أحبتنا ،احذروا أن تصطدموا بشعبكم ، احذروا أن يساء فهم تصرفاتكم ، اعلموا أن الشريعة لا تطبق و لن تطبق بالمظاهرات، و أعجب أشد العجب أن يكون استحقاق الناس لمطالبهم قائماً على المظاهرات و مؤسساً على أيهم أعلى صوتاً و أكثر عدداً ،
فاعتصموا بكتاب الله تعالى فهو النور و الهادى فى ظلمات الفتن ، يقول عز من قال : ( ياأيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم و أنزلنا لكم نوراً مبينا ) النساء : 147
قال حذيفة – رضى الله عنه – ( لا تضرك الفتنة ما عرفت دينك ، إنما الفتنة إذا اشتبه عليك الحق و الباطل )
اعتصموا بسنة النبى صلى الله عليه و سلم ، أقبلوا على طلب العلم النافع ، و قد رفعت بفضل الله تعالى الموانع و العوائق عن طلب العلم و مجالس العلماء ،لما استبدلنا المنابر بغيرها؟ فطالما كان المنبر هو دعامة الدول و أساس البلاد، أقبلوا على الأعمال الصالحة ، تواصوا بالدعاء ، و خاصة بالثلث الأخير من الليل
ألم يقل الله تعالى لنا : ( لكل جعلنا منكم شرعة و منهاجا) المائدة
فمنهجنا و اضح ، بينه لنا رسول الله تعالى فى إرسائه للدولة الإسلامية و فى تأنيه صلى الله عليه و سلم فى دعوته ، راعى فيها حالات الاستضعاف و حالات القوة ، و فقه المآلات و فقه المرحلة.
و نقول أيضاً- بارك الله فيكم – لم العجلة ؟؟ فالعجلة أم الندامات، و ها هو على بن أبى طالب رضوان الله عليه ، يتمهل فى القصاص لدم عثمان ، و ما أدراكم من عثمان ، مات النبى صلى الله عليه و سلم و هو عنه راض ، و قال عنه صلوات ربى و تسليماته ، عثمان تستحى منه الملائكة ،، و مع كل هذا تريث على – رضوان الله عليه – فى القصاص لدم عثمان- رضى الله عنه- خشية الفتنة، و حدث ما توقعه فأتت العجلة بالفتنة الصماء.
لله در قتاده بن دعامة – رحمه الله- : ( قد رأينا و الله أقواماً يسرعون إلى الفتن ، و ينزعون فيها، و أمسك أقوام عن ذلك هيبة لله، و مخافة منه، فلما انكشف ، إذا الذين أمسكوا أطيب نفساً ،و أثلج صدوراً ، و أخف ظهوراً من الذين أسرعوا إليها ، و ينزعون فيها ، و صارت أعمال أولئك حزازات على قلوبهم كلما ذكروها، و أيم الله ، لو أن الناس يعرفون من الفتنة إذا أقبلت كما يعرفون منها إذا أدبرت، لعقل فيها جيل من الناس كثير).
و نحن إذ نقول هذا ، لا نتهم أحداً أنه داعى لفتنة ، حاشا لله أن نقول ذلك ، و لكن فى هذه الظروف المتوترة نخشى أن تكون المظاهرات ذريعة للفتنة.
فإن أبيتم إلا الخروج، فجردوا نواياكم واحذروا المندسين و احذروا السفهاء ، و تعاملوا بسعة صدر و حلم و صبر ، و اجعلوا فى صفوفكم أهل العقل و الحكمة ، ممن يزن المصالح و المفاسد ، و ناشدوهم بضبط النفس مهما قوبلتم من استفزازات،و لا تنسوا أنكم إخوة و شركاء فى سفينة واحدة ترجون لها مرفأ النجاة
و أنادى المجلس العسكرى و أرجوه ، و استحلفه بالله تعالى أن يقوم بالدور الأشرف و هو المحافظة على استقرار البلاد، و الحرص على تحقيق مطالب شعب مصر العظيم،وما اختاروه ، وفوق كل هذا و أعظمه تحقيق مراد الله تعالى فى أن تحكم الأرض بالسماء و بشرع الله العظيم فهم أولياء الأمور و الله سائلهم عن هذا يوم القيامة ، فهل أعدوا جواباً يوم لا ينفع مال و لا بنون؟
و الله أسأل ، لبلادنا و لبلاد المسلمين الأمن و الأمان و الخير و السلام و أن يجنبنا جميعاً الفتن ما ظهر منها و ما بطن .
و ختاماً
أذكر نفسى و كل من وجهت لهم خطابى هذا ، بقول سيد الخلق صلى الله عليه و سلم : (إن السعيد لمن جنب الفتن، إن السعيد لمن جنب الفتن ، إن السعيد لمن جنب الفتن، و لمن ابتلى فصبر ، فواهاً) أخرجه أبو داود و صححه الألبانى.
اللهم قد بلغت ، اللهم فاشهد
و صلى الله و سلم على أشرف المرسلين
و الحمد لله رب العالمين
امضاء
الشيخ محمد عبد العزيز أبو النجا
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بالمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة
منقول من مدونة محبى الشيخ محمد عبد العزيز أبو النجا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق