الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فما أشبه ما يفعله الإعلام في هذه الأيام بما فعله الإعلام القرشي قديمًا؛ لتشويه صورة الإسلام ونبيه -صلى الله عليه وسلم-، فقديمًا حرص كل الحرص على ألا يسمع أحد مِن محمد -صلى الله عليه وسلم- شيئًا، وإن علموا بسمع أحد وميله للإسلام؛ لم يزالوا به حتى يصدونه عنه صدًّا، ويردونه تارة أخرى إلى حظيرة الكفر!
وهم حريصون ـ أيضًا ـ على أن يكون الكلام فقط لهم، وكذا الكتابة فلا يسمحون للمخالِف بالظهور على قنواتهم؛ ليعرِّف بنفسه، ويدافع عنها، ويصورونه ـ دائمًا ـ في صورة مُخيفة مُنفرة حتى لم يعد عند كثير مِن الناس الرغبة في السماع لهم، ولا القراءة عن منهجهم.
وهذا ما فُعِل مع الطفيل بن عمرو الدوسي -رضي الله عنه- قديمًا، فقد روي أنه لما قَدِم مكة والصراع محتدم بين النبي -صلى الله عليه وسلم- وأتباعه من جهة، وكفار قريش من جهة أخرى؛ اجتمع به سادتهم وكبراؤهم، وقالوا: واطفيل إنك قد قدِمتَ بلادنا، وهذا الرجل يزعم أنه نبي قد أفسد علينا أمرنا، وفرق شملنا وشتت جماعتنا، ونحن إنما نخشى أن يحل بك وبزعامتك في قومك ما قد حل بنا، فلا تكلم الرجل ولا تسمعن منه شيئًا، فإن له قولاً كالشعر، يفرق بيْن الولد وأبيه، وبين الأخ وأخيه، وبين الزوجة وزوجها!
يقول الطفيل: فوالله ما زالوا بي يقصون علي مِن غرائب أخباره، ويخوفونني على نفسي وقومي بعجائب أفعاله، حتى أجمعت أمري على ألا أقترب منه، وألا أكلمه أو أسمع منه شيئًا.. ثم يقول: حشوت أذني قطنًا؛ خوفًا مِن أن يلامس سمعي شيء مِن قول محمد!
انظر أخي لفعل كلامهم وأراجيفهم! مع أنه لم يسمع مِن الطرف الآخر، لكن سد أذنيه بالقطن؛ كي لا يسمع ابتداءً! وكم مِن الناس اليوم يفعلون ذلك، هم قد أخذوا موقفًا مِن السلفية والسلفيين، ولما يسمعوا منهم بعد! وبعضهم لا يريد أن يسمع، فهو كمن وضع القطن في أذنيه!
يقول الطفيل -رضي الله عنه--: لكني ما إن دخلت المسجد حتى وجدته قائمًا يصلي عند الكعبة صلاة غير صلاتنا، ويتعبد عبادة غير عبادتنا، فأسرني منظره، وهزتني عبادته -"وانتبهوا معي لأهمية السلوك"- ووجدت نفسي أدنو منه، شيئًا فشيئًا على غير قصد مني، حتى أصبحت قريبًا منه، وأبى الله إلا أن يصل إلى سمعي بعض ما يقول -"وكذا دعوة الحق رغم كل الضغوط والحروب"- فسمعت كلامًا حسنًا، وقلت في نفسي: ثكلتك أمك يا طفيل.. إنك لرجل لبيب شاعر، وما يخفى عليك الحسن مِن القبيح، فما يمنعك أن تسمع مِن الرجل ما يقول، فإن كان الذي يأتي به حسنًا؛ قبلته، وإن كان قبيحًا؛ تركته؟!
ما رأيك ـ أخي القارئ ـ في أن تطبق هذا الميزان فيما يتعلق بالسلفية؟!
أن تسمع مِن السلفيين وتقرأ عنهم، فإن وجدت ما يقولونه حقًا قبلته، وإن كان غير ذلك رددته، وأنت رجل لبيب عاقل، فلم أسلمت أذنيك وعقلك لفئة الإعلاميين والصحافيين وغيرهم من المناوئين لدعوة السلف، وصار ما يلقونه إليك عنهم هو الحق الذي لا مرية فيه؟!
لم لا تعط نفسك فرصة؛ لتتعرف علينا منا؟!
أيها الكريم، السلفية باختصار ليست حزبًا، وليست جماعة، إنما هي منهج ودعوة؛ دعوة للرجوع بالإسلام إلى نبعه الصافي، إلى زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
دعوة لفهم الكتاب والسنة بفهمه -صلى الله عليه وسلم-، وفهم أصحابه الكرام.
دعوة لفهم الدين كما فهموه؛ لأنهم أعلم الناس بالكتاب والسنة، ففيهم عاش رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقد عاصروا تنزل الوحي والتكلم بالسنة؛ فهم أعلم الناس بلا شك بذلك.
ولسنا نعني بالعودة إلى القرون الثلاثة المفضلة "الصحابة والتابعين وتابعي التابعين"، لسنا نعني بذلك: نبذ التقدم والتطور الدنيوي! كلا.. بل المراد فهم الكتاب والسنة بفهم رسولا لله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه؛ كي يحصل الاجتماع، ويقل الخلاف؛ لأن الفهم الفردي هذه الأيام "أن يفهم كل واحد الإسلام حسب هواه هو"؛ قد أدى إلى التفرق والاختلاف.
وهل أحد يشك، بل هل مسلم يشك في أن منهج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو المنهج المعصوم؟!
هل مسلم يشك في فصل الصحابة على مَن بعدهم؛ سيما وقد زكاهم الله في القرآن، وأعلمنا برضاه عنهم، وكذا أثنى عليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال الله -تعالى-: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) (التوبة:100)، ورضي لنا إيمانهم، فقال: (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا) (البقرة:137). (آمَنُوا): أي أهل الكتاب، ويدخل في ذلك كل من جاء بعدهم. (بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ): يا أصحب محمد -صلى الله عليه وسلم-.
وحذرنا من اتباع غير سبيلهم، فقال: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) (النساء:115)، وكذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ) (متفق عليه)، وقال: (لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلا نَصِيفَهُ) (متفق عليه)، وغير ذلك كثير طيب.
إذن فنحن عندما ننادي بالعودة لمنهج هؤلاء والأخذ بفهمهم، فنحن نتبع أناسًا زكاهم الله وزكاهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فكيف نلام على ذلك؟!
وإن لم نفهم ديننا بفهمهم فبم؟ وكيف نفهم الدين؟!
هل بفهمي؟ أم بفهمك أنت؟ أم بفهم المؤسسة الفلانية؟ لن نلتقي إذن، فالسلفية منهج لفهم الإسلام، ومنهج يجمع لا يفرِّق، وقد علمنا رسولنا -صلى الله عليه وسلم-.
السلفية: تمسك بالإسلام كما كان زمن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
السلفية: عودة للأصول.
السلفية: ليست مِن المحدثات، بل هي قديمة قدم الإسلام.
السلفية: عصمة مِن التفرق والاختلاف؛ إذ لما أخبر -صلى الله عليه وسلم- بافتراق الأمة على ثلاث وسبعين فرقة بيَّن أن طائفة واحدة هي الناجية، ثم ذكر وصفها، فقال: (وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني)، وفي رواية: قَالُوا: وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي) (روه الترمذي، وحسنه الألباني)، والآية التي ذكرتها منذ قليل: (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا). فتأمل فيه هذه المثلية، فالمثلية هذه هي السلفية، وهي التي نريد.
ولتحقيق ذلك كله هناك ضوابط وقواعد للمنهج السلفي على رأسها:
الاستدلال بالكتاب والسنة: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) (النساء:59)، (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (النساء:65).
ثم تقديمهما على العقول عند التعارض: مع العلم أنه لا يتعارض نقل صحيح مع نظر عقلي سليم، وإنما التعارض في أذهان وعقول البعض، وذلك خلافًا للمدرسة العقلانية ومناهج المتكلمين الذين جعلوا العقل أصلاً يتبعه النقل؛ وهل يصح أن يكون العقل حاكمًا على كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-؟!
ثم عقل مَن الذي يقدم ويكون هو الحَكَم والفصل والعقول متفاوتة تفاوتًا عظيمًا؟!
وبناء على ذلك يرفض السلفيون الاعتداء على الكتاب والسنة بآراء الرجال وتحريفهما خاصة في جانب العقيدة، كما فعلته الفرق في أسماء الله -تعالى- وصفاته وغيرها، بل نفهم هذه النصوص كما فهمها النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، وكذا سائر الشرع، فنتمسك بفهم الصحابة له.
وهذه طريقة علماء الأمة المعتبرين عند الجميع: كالأئمة الأربعة، وأهل الحديث؛ فكيف يُعرض عنها، وينظر في كلام الفلاسفة، والمناطقة، والمتكلمين؟!
إن الدعوة السلفية هي دعوة للعودة إلى الإسلام الصافي النقي، وإلى الإسلام كما كان عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه قبل ظهور الفرق وعلوم الفلسفة والكلام.
وإنها لتهدف مِن وراء ذلك إلى تحقيق توحيد الله -عز وجل- والإيمان به كإيمان الصحابة -رضي الله عنه-، وكذا تحقيق الاتباع لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونبذ البدع، والحرص على تعلم السنة ونشرها بيْن المسلمين.
وأخيرًا: تزكية النفس بسائر أنواع الطاعات، وبضوابط الكتاب والسنة، وليس كأهل البدع مِن صوفية وغيرها.. الذين سلكوا طرقًا مبتدعة؛ ابتغاء تزكية النفوس وإصلاحها، فما الذي يؤخذ على هذه الدعوة؟! وما المخالفات التي وقعت فيها وعارضت بها الكتاب والسنة؟! وما الأضرار التي عادت منها على الأمة؟ ثم وإن كان ثمَّ خطأ وخلل أوليس الدين النصيحة؟!
لم الهجوم والتشهير والتجريح؟ بل لم الحكم على المخالف بغير الاستماع منه وإليه؟
ولم وضع القطن في الأذن والامتناع ابتداءً مِن السماع؟!
إنها دعوة إذن للفهم..
إنها دعوة للمراجعة والتصحيح..
تصحيح المواقف التي اتخذت مِن هذه الدعوة قبل أن نقرأ عنها؛ ولذا فإنني أقول: "أخرج القطن من أذنيك، واسمع لأهل الدعوة، واقرأ في مؤلفاتهم، ولن تجد إلا الخير -إن شاء الله-".
إننا نريد إصلاح أنفسنا وإصلاح المجتمع مِن حولنا، وأن نعيش جميعًا الإسلام كما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
هذا ولا يخفى على أحد ما تتعرض له الدعوة الآن مِن هجوم وتشنيع، فينسب للدعوة ما يقع مِن اعتداء على بعض الناس أو تفجير أو غير ذلك، والدعوة منه براء، كما لا يخفى على أحد ما كان مِن "أحداث الإسكندرية التفجيرية" التي أريد لها أن تُلصق بالسلفية؛ فأظهر الله الحق، وأبطل كيد الكائدين، ولا يزال الكيد مستمرًا..
ولذا فإننا نبرأ إلى الله -تعالى- مِن كل تصرف يخالف شرع الله -عز وجل-، وإن فعله مَن يبدو في الظاهر أنه مِن الإسلاميين -أو حتى السلفيين-؛ فليس أحد حجة على الإسلام بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وهل إذا أخطأ بعض الأطباء مثلاً.. قيل: هكذا كل الأطباء!
إننا ندعو الجميع إلى الإنصاف والنظرة الموضوعية لهذه الدعوة التي طالما أرادت الخير للأمة، ولا تزال، وهذا منهجها قد أشرنا إليه باختصار.
نسأل الله أن يؤلف بيْن قلوب المسلمين، وأن يجعلهم على قلب رجل واحد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق