كتبه/ محمد رجب الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فما أسرع ركب الأيام! وما أشد إفلات ما تحمله إلى العباد! حتى صار ذلك نعتًا لها، لا تخطئه عين نظرت إلى تلك المطايا وأحمالها. وإن أحداث هذه الأوقات ووقائعها قد ثقلت على ساعاتها، وكأنما لا تطيق حملها، فإنها أحداث جسام، ووقائع عظام، ردنا الله -تعالى- فيها إلى مفرِق الطرق مِن جديد، وساق إلينا العمل والأمل معًا مِن بعيد، فينظر -سبحانه- ماذا نحن عاملون؟! أحداث حقها أن تستنهض في قلوب المتدينين التأهب للقيام بوظائف ذلك الدين، للتحقق باتباع سيد المرسلين -صلى الله عليه وسلم-، لنظر رب العالمين. وتأبى الأيام إلا أن تباغت العباد بمواسمها، كأنما أرادت أن تفجأهم بها مِن وراء أثقالها وخطوبها التي عادة تختلس أنظار أكثر الناس، يكادون لا يشعرون بمواسم الزمان وعوائده، ولا يلتفتون إلى غير هذه الطوارئ مِن الأحداث. وإذا كان رمضان في زمان السلف الجميل هو مورد القلوب، وموطن الاشتياق، فتجنِب إليه أنفسهم، وتسبقهم إليه أفئدتهم؛ فإن رمضان هذا العام تحت ظلة تلك الأحداث، لحقيق أن يردنا إلى ذلك الزمان الجميل؛ إنه وقد اقترب تحمله تلك الوقائع لَيلِحُّ على خطره وعظيم قدره في قلوب أهل الدين، السعاة في توجيه أمتهم في ذلك الحين. ما كان ينبغي لهم بعد الذي جرى بين أيديهم أن يغفلوا عن خطر رمضان وعظيم أثره في سعيهم، فإنه لا يستقيم لهم سعي لبناء أمتهم إن فاتهم ما في رمضان مِن أسباب ذلك البناء. أفلم يشعروا أن رمضان هو ميلاد تلك الأمة؛ فإنها لم تكن شيئًا مذكورًا، فإذا بالله يأذن لها بالوجود والميلاد، فكان ذلك ليلة القدر في رمضان لما أوحى الله -تعالى- إلى عبده القرآن؟! أوَلم يشعروا أن رمضان قد جمع لهم بين أخص وأخفى أحوالهم، وأجمع وأوضح راياتهم: إنه في صيامهم يأخذ بأفرادهم وحدانًا، ليأتي كلُّهم ربه -تعالى- فردًا، كأخص ما يكون بينه وبين ربه وأخفاه؟! ألم يسمعوا قول ربهم على لسان نبيهم: (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي.. ) (متفق عليه)؟! فما أجل ذلك الاختصاص؟! وما أشرف تلك الإضافة؟! وبرغم خصوصية تلك الحال وخفائها، إلا أنه أوقفهم فيها جميعًا تحت راية واحدة، تجمعهم تلك الحال، يشتبهون ويلتحمون، كأنهم رجل واحد، في كل شعائر ذلك الزمان، في صيامه، أو قيامه، أو أعمال البر فيه، ليصير ذلك الخصوص خصيصة للأمة وعَلمًا عليها، ويتحول هذا الخفاء إلى مظاهرة ومشايعة وإعلان بالاتحاد والالتحام، فلا تجد الأمة كالشيء الواحد كما تجدها في تلك الأيام. إنه زمان يعين على السعي والحركة، ويدفع في التوجيه والاجتماع، ويمعن في الترويض والتغيير، لا في جهة الأشخاص والأفراد فحسب، ولكن في جموع الناس وطوائف الأمة. إن قدوم رمضان يعني قدوم الناس على الدين، يعني أن يأتي الناسُ مواقعَ المتدينين بغير اكتساب، كما أتاهم رمضان بغير اكتساب. فمهما نفر أناس في تلكم الأحداث، ومهما شذت جموع عن الدين، فإن أكثرهم آتون في الصيام، قادمون في القيام.. فهل أعد لذلك المتدينون؟! إن لم يدرك المتدينون ذلك الآن، فقد فات الانتباه والانتفاع، وأفلت منهم ما جاءهم في رمضان مِن أدوات السعي وأسباب البناء. وخطر ذلك الشهر القادم إن لم يدركه المتدينون فإن المتربصين بهم قد أدركوه، وودوا لو سقطت أيامه مِن الزمان! وهذا حاصل كل عام، لكنه الآن أشد، وهذا العام أخطر، وهم يعلمون أنهم لا يطيقون دفعه ولا قدرة لهم عليه، فيعملون الآن عمل اليوم في الساعة، ويحشدون سعي الأيام في اليوم الواحد، عساهم أن يسابقوا الساعات، فيقيموا لباطلهم بنايات تقوى على البقاء، فإن أتى عليها رمضان نقص منها فما نقضها. فإن تفرق المتدينون عن التنبه لذلك الشهر القادم، فإن أعداءهم يأتمرون بأن يمشوا ويصبروا لمواجهة ذلك الخطر الداهم -والله تعالى المستعان-. فاللهم بلغنا رمضان، وبارك لنا فيما بقي مِن رجب وشعبان، واستعملنا في ذلك لدينك، وأعنَّا فيه على طاعتك، واهدنا واجعلنا سببًا لهدايتك، وعمالاً في نصرة شرعتك. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على النبي الأمين. |
موقع أنا السلفي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق